التعويض في نظام المعاملات المدنية 2026
8 ديسمبر 2025

التعويض في نظام المعاملات المدنية السعودي

لم تكن فكرة التعويض عن الضرر بمعناها الجوهري غائبة عن القضاء السعودي قبل صدور نظام المعاملات المدنية، فقد شكّلت قواعد الشريعة، وما تراكم عبر عقود من الفقه القضائي، أساسًا راسخًا لمبدأ عرفته المحاكم جيدًا: أن من لحقه ضرر يستحق جبره، وأن الجبر يكون بقدر ما لحق المتضرر فعلًا، وخلال هذا المقال سيوضح مكتب السلامه للمحاماة والاستشارات القانونية التعويض من فقه جبر الضرر إلى نظام المعاملات المدنية للتحول نحو منظومة حديثة للأعمال في المملكة.

 

 

من لحقه ضرر يستحق جبره، وأن الجبر يكون بقدر ما لحق المتضرر فعلًا.

هذا المبدأ، رغم أصالته، كان موزعًا بين نصوص متناثرة، واستنباطات قضائية، ومع توسّع النشاط التجاري في السعودية وخاصة مدن مثل الرياض وجدة وتنوّع مخاطره، أصبحت الحاجة ملحّة لتقنين هذا المبدأ في منظومة قانونية واضحة تُزيل التشتت وتفتح الباب لتطبيقات حديثة تتماشى مع بيئة الأعمال.

يأتي نظام المعاملات المدنية ليمنح هذا المبدأ إطارًا نظاميًا متماسكًا، وليُنقله لأول مرة من المجال الضيق الذي كان يظهر فيه غالبًا، كالمسؤولية التقصيرية الفردية، إلى نطاق واسع يشمل كل علاقة تعاقدية وتجارية، وكل وضع تنشأ فيه مسؤولية عن الخطأ.

 

التقنين لا يعني الميلاد: مبادئ قديمة بثوب جديد

خلافًا لما قد يظنه البعض، لم يولد مبدأ التعويض مع النظام الجديد؛ فالمحاكم لسنوات طويلة كانت تطبقه على نحو واضح كانت الدوائر القضائية تُلزم مسبب الضرر برد الوضع إلى سابق عهده، وتُقدّر التعويض وفق الضرر الحقيقي، لا وفق مبالغ افتراضية أو جزافية.

لكن الجديد اليوم هو أن هذا المبدأ أصبح جزءًا من ” نظام ” شامل، ومن حالات الضرر المادي المحض إلى طيف واسع يشمل الضرر المعنوي وفوات الكسب والإخلال بالالتزامات التعاقدية في العلاقات التجارية.

 

التعويض في نظام المعاملات المدنية في المواد 120 إلى 140: الهيكل الحديث للمسؤولية

يوفّر النظام الجديد بناءً أكثر صرامة ودقة لفكرة المسؤولية، بحيث لا يُكتفى بثبوت الضرر، بل يلزم أن يثبت الخطأ وعلاقة السببية، مع توسيع مساحة التعويض عن الخسارة الفعلية وما فاته على المتضرر من كسب، ما دام ذلك نتيجة مباشرة لخطأ الطرف المسؤول.

ويستوقف رجال الأعمال تحديدًا ما جاءت به المادة 136 التي تحدد معيار التعويض: “إعادة المتضرر إلى الوضع الذي كان فيه أو كان من الممكن أن يكون فيه لولا وقوع الضرر” هذه العبارة تحمل تحولًا مهمًا، إذ تسمح للمحاكم أن تراعي ليس فقط الخسارة الواقعية، بل الحالة الاقتصادية المتوقعة التي حُرم منها المتضرر بشكل مباشر في بيئة الاستثمار والمشاريع، هذا النص يمنح مساحة كبيرة لجبر الأضرار الناتجة عن الإخلال بالتوريد، أو توقف المشاريع، أو انهيار سلسلة التوريد، أو تعطّل العقود الطويلة.

أما المادة 138 التي تعترف صراحةً بالتعويض عن الضرر المعنوي، فتمثل نقلة مكثفة في حماية سمعة الشركات، خصوصًا في عصر تتشكل فيه قيمة العلامة التجارية من ثقة العملاء والشركاء والأسواق، ورغم أن المحاكم كانت تتردد قديمًا في منح تعويضات معنوية، إلا أن التقنين الصريح يفتح الباب أمام معالجة أكثر نضجًا للأضرار المرتبطة بالسمعة التجارية والتشهير والإساءة للشركات.

 

بين النظرية والتطبيق: كيف سيتعامل القضاء؟

القضاء في النهاية هو من يمنح النصوص حياتها، وتاريخ القضاء السعودي يُظهر أنه يتعامل مع التعويض بحذر شديد، ولا يحكم به إلا متى كان الضرر ثابتًا، والخطأ غير محتمل، والسببية مباشرة لا لبس فيها.

وهذا النهج مرشح للاستمرار، لأنه ينسجم مع فكرة أن التعويض ليس “جزاءً”، بل “جبرًا” يهدف إلى إعادة التوازن، لا إلى الإثراء بلا سبب.

المثير للاهتمام أن النظام لم يكتف بوضع قواعد إيجابية، بل حافظ على المساحات التي يتفوق فيها الفقه والقضاء، مثل تخفيف التعويض عند مساهمة المتضرر في إحداث الضرر، وهي قاعدة راسخة في الفقه الإسلامي قبل أن تصبح اليوم مبدأً عامًا في المسؤولية المدنية.

كما أن النظام منح للمحكمة سلطة تقديرية واسعة في تقدير الضرر المعنوي، دون قيود أو نماذج جاهزة، وهذا يفتح الباب أمام سوابق قضائية متدرجة تصنع معيارًا سعوديًا خاصًا في تقييم الضرر غير المادي في عالم الأعمال.

 

لماذا يهم هذا رجال الأعمال؟

بيئة الأعمال الحديثة لم تعد تعتمد فقط على “القوة التعاقدية”، بل على المخاطر القانونية المحيطة بكل عملية تجارية، ومع النظام الجديد، أصبحت العلاقة التعاقدية مكشوفة تمامًا أمام معيار المسؤولية المدنية:

  1. الإخلال المتكرر في التسليم.
  2. التأخر في السداد.
  3. الإضرار بسمعة شريك تجاري.
  4. انهيار مشروع بسبب توقف طرف واحد.
  5. تعطّل سلسلة توريد.
  6. فوات كسب كان متوقعًا بشكل مباشر

كلها صور يمكن أن تُقيم مسؤولية وتُنتج تعويضًا.

رجال الأعمال الذين كانوا يظنون أن “أسوأ ما قد يحدث هو فسخ العقد” باتوا اليوم يدركون أن المسؤولية قد تتجاوز الفسخ لتصل إلى تعويضات مالية حقيقية، وربما كبيرة، إذا ثبت أن الضرر كان نتيجة مباشرة لخطئهم.

وفي المقابل، أصبح للمتضررين أدوات أقوى للتحصيل، لأن النظام لا يشترط “العمد” أو “سوء النية”، بل يكفي تحقق الخطأ والضرر والسببية.

 

مميزات نظام المعاملات المدنية

ما يميز نظام المعاملات المدنية ليس فقط صياغته الحديثة، بل الطريقة التي جمع بها بين:

  • أصالة المبدأ الشرعي في جبر الضرر.
  • التقنيات القانونية الحديثة في بناء المسؤولية.
  • تجارب الأنظمة المدنية المقارنة.
  • الاحتياجات العملية لاقتصاد متسارع كاقتصاد المملكة

لقد نقل النظام التعويض من دائرة “الاستثناء القضائي” إلى دائرة “القاعدة النظامية”، وجعل من مسؤولية الأطراف عن أفعالهم أمرًا مركزيًا في ضبط العلاقات التجارية.

وهذا التحول، على قدر ما يحمل من حماية، يحمل مسؤولية أكبر على المتعاملين: فالعقود لم تعد مجرد نصوص، بل التزامات حقيقية تترتب عليها آثار مالية واسعة.

وبين مبدأ فقهي قديم، وصياغة نظامية حديثة، تتشكل في السعودية اليوم نظرية متقدمة للمسؤولية المدنية… نظرية ستعيد رسم حدود المخاطر والتعاملات، وتفرض على قطاع الأعمال تفكيرًا أكثر نضجًا في إدارة علاقاته وتعهداته.

 

أسئلة وأجوبة: –

ما هي شروط التعويض عن الضرر في النظام السعودي؟

الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهم.

هل يمكن التعويض عن الضرر المعنوي في القانون السعودي؟

نعم، يمكن التعويض على الضرر المعنوي طبقاً لما نصت عليه المادة (138) من نظام المعاملات المدنية.

ما هي مدة دعوى التعويض؟

عشر سنوات من تاريخ وقوع الضرر، ولكن دعوى التعويض الناشئة عن الفعل الضار لا تسمع بانقضاء (3) سنوات من تاريخ علم المتضرر بوقوع الضرر وبالمسؤول عنه.
لكن دعوى التعويض ناشئة عن جريمة؛ فإنه لا يمتنع سماعها ما دامت الدعوى الجزائية لم يمتنع سماعها.

متى يسقط حق المطالبة بالتعويض؟

بعد مضي 10 سنوات من تاريخ العلم بوقوع الضرر.

 

ختاماً، قضايا التعويض تتطلب خبرة متخصصة. لا تتخذ أي خطوة قبل استشارتنا. احجز استشارة سرية ومتخصصة الآن. [احجز الان] مع مكتب محاماه السلامه للمحاماة والاستشارات القانونية.

 

شارك على لينكدان

التعليقات

لا توجد تعليقات التعويض في نظام المعاملات المدنية السعودي

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *