المسؤولية القانونية لأعضاء مجلس الإدارة
في عام 2018 فرضت هيئة المنافسة غرامة تقدر ب 10 ملايين ريال سعودي على شركة اسمنت الجوف وبالإضافة الى خسارة الشركة للعديد من الاستثمارات الخاصة بها ، ولهذا قررت الجمعية العامة العادية في عام 2024م رفع دعوى المسؤولية المقررة في نظام الشركات على ثلاث من أعضاء مجلس الإدارة ، وخلال هذا المقال سنوضح نحن مكتب السلامه للمحاماة والاستشارات القانونية المسؤولية القانونية لأعضاء مجلس الإدارة في شركة اسمنت الجوف وسياقاتها القانونية.
تعريف اسمنت الجوف
شركة اسمنت الجوف هي شركة مساهمة عامة يتمثل نشاطها الرئيسي في إنتاج الأسمنت العام في المملكة العربية السعودية.
تعريف المسؤولية القانونية وأهميتها
يقصد بدعوى المسؤولية في نظام الشركات بإنه هي الدعوى التي تهدف إلى تعويض المضرور عن الضرر الذي لحق بالشركة ذاتها أو بوصفها شخص اعتباري، ويعد ناتجاً عن خطأ أعضاء مجلس الإدارة سواء كلهم أو بعضهم أثناء أداء المهام الموكولة إليهم .
ويجوز تسمية دعوى المسؤولية أيضاً بدعوى المساهم الفردية ، وهذا في حال لحق بأحد المساهمين ضرر شخصي نتيجة لتصرف أو قرار خاطئ من مجلس الإدارة ، فإنه يكون من حقه الرجوع على هذا المجلس بدعوى ( المساهم الفردية) وفي حال حصوله على تعويض ، يكون هذا التعويض من حقه هو فقط وليس من حق الشركة.
ولقد أتاح نظام الشركات للمساهم أن يقيم هذه الدعوى منفرداً ضد مجلس الإدارة ، وهذا في حال تقاعست الشركة الممثلة في الجمعية العامة في إقامتها وخاصة إذا كان الخطأ يلحق ضرر بالمساهم بدون أن يمس الشركة.
تعود أهمية دعوى المسؤولية ضد أعضاء مجلس الإدارة من الأدوات القانونية المهمة التي يقرّها نظام الشركات السعودي الجديد (الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/132 لعام 1443هـ)، وذلك لحماية حقوق المساهمين وضمان التزام أعضاء المجلس بمسؤولياتهم القانونية والائتمانية تجاه الشركة وأصحاب المصالح، حيث تهدف هذه الدعوى إلى محاسبة أعضاء المجلس عند ارتكابهم أخطاء جسيمة أو تجاوزات مالية أو إدارية تؤدي إلى الإضرار بالشركة أو مساهميها، مثل إساءة استخدام السلطة، تضارب المصالح، أو اتخاذ قرارات تنطوي على إهمال أو تقصير جسيم. ووفقًا للنظام، يمكن رفع الدعوى إما من قبل الشركة ذاتها أو من قبل المساهمين نيابةً عنها، مما يعزز الشفافية والحوكمة الرشيدة في بيئة الأعمال. كما أن تفعيل هذه الدعوى يسهم في تعزيز الثقة في السوق المالية، حيث يدفع مجالس الإدارات إلى اتخاذ قرارات أكثر مسؤولية، والالتزام بالأنظمة واللوائح المنظمة لعمل الشركات، مما يقلل من حالات الفساد الإداري وسوء الإدارة، ويضمن استدامة الشركات ونموها.
اقرأ ايضا: دعوى الشريك أو المساهم على المدير في الشركة
تفاصيل قضية دعوي المسؤولية لأسمنت الجوف
بتاريخ الأحد 9/03/2025م صدرت موافقة الجمعية العامة غير العادية لشركة أسمنت الجوف على رفع دعوى مسؤولية ضد ثلاثة من أعضاء مجلس إدارتها السابقين، وذلك بسبب إبرام عقود دون موافقات نظامية، وحالات تضارب مصالح لم يُفصح عنها، وصرف مستحقات لمقاولي الباطن دون مستندات رسمية، وذلك وفق تقرير المدقق الخارجي (داكسين) ومع ذلك، فإن مجرد رفع الدعوى لا يعني بالضرورة ثبوت المخالفات، إذ يبقى القرار النهائي بيد الجهات المختصة.
شركة أسمنت الجوف ليست الوحيدة التي تبنّت هذا المسار القانوني، فقد سبقتها شركة هرفي في رفع دعوى مشابهة بشكل اخر، وأيضاً صرحت شركة تهامة عن حقها في رفع دعوى أيضًا.
هذه التطورات تعكس توجهًا متزايداً نحو تعزيز المحاسبة والحوكمة داخل الشركات المدرجة في السوق المالية، وهو ما يتيح فرصة لبيان عدد من المسائل القانونية ذات العلاقة ودور الجهات التنظيمية في حماية المساهمين من أي مخالفات قد تؤثر على أداء الشركات ماليًا وإداريًا.
الإطار القانوني للمسؤولية:
يخضع أعضاء مجلس الإدارة في الشركات المدرجة لأحكام نظام الشركات السعودي، إضافة إلى نظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية، فقد نصت المادة (23) من نظام الشركات على مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة عن تعويض الشركة والمساهمين عن أي ضرر ينشأ بسبب مخالفة أحكام النظام أو عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساسي، أو نتيجة أخطاء أو إهمال أو تقصير في أداء أعمالهم، مع بطلان أي شرط يعفيهم من تلك المسؤولية، وكذلك المادة (71) من النظام تلزم أعضاء المجلس بالإفصاح عن أي مصلحة شخصية لهم في العقود والأعمال التي تعقدها الشركة، وفي حال ثبوت عدم الإفصاح، يتحمل العضو المعني المسؤولية عن أي ضرر يلحق بالشركة أو المساهمين، ويجوز للشركة أو لأي ذي مصلحة المطالبة بإبطال العقد أو إلزام العضو برد أي ربح أو منفعة تحققت له نتيجة ذلك، ومنحت المادة (93) المساهمين الحق في مراقبة أداء مجلس الإدارة لضمان حماية استثماراتهم وحقوقهم، ونصت المادة (87) أن للجمعية العامة غير العادية تعيين أعضاء مجلس الإدارة ومراقبة الأداء المالي للشركة، مما يعزز ثقة المستثمرين في السوق المالية.
حق الشركة في رفع الدعوى
وفقًا للمادة (29) من نظام الشركات للشركة أن ترفع دعوى المسؤولية على المدير أو أعضاء مجلس الإدارة؛ بسبب مخالفة أحكام النظام أو عقد تأسيس الشركة ونظامها الأساس، أو بسبب ما يصدر منهم من أخطاء أو إهمال أو تقصير في أداء أعمالهم، وينشأ عنها أضرار على الشركة، وهذا يعني أن الشركة تمتلك الحق القانوني في مقاضاة أعضاء مجلس إدارتها الحاليين أو السابقين متى ما ثبت وجود إهمال أو تقصير تسبب في ضرر مباشر للشركة.
وهذا هو الأساس الذي قد تستند إليه شركة أسمنت الجوف في دعواها ضد أعضاء مجلس إدارتها السابقين.
أين سيتم الفصل في هذه الدعاوى؟
وفقًا للمادة (266) من نظام الشركات، فإن النزاعات المتعلقة بـشركات المساهمة المدرجة تخضع لاختصاص لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية، وليس المحاكم التجارية.
ويظهر ذلك جليًا في حكم سابق صادر عن المحكمة التجارية بالرياض، حيث قررت الدائرة السابعة في الحكم رقم (4530777625) الصادر في القضية رقم (4570919992) لعام 1445هـ، عدم اختصاصها بنظر دعوى مشابهة، نظرًا لارتباط القضية بشركة مساهمة مدرجة في السوق المالية، وهو ما يجعل لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية الجهة المختصة، والتي تمتلك صلاحية فرض غرامات مالية على المخالفين، وإلزامهم بإعادة الأرباح غير المشروعة، ومنعهم من تولي مناصب قيادية في الشركات المدرجة مستقبلًا، والحكم بالتعويض لصالح المتضررين، ومن سوابق هذه اللجنة قضية شركة محمد المعجل في العام 2016 حيث فرضت لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية غرامات مالية تتجاوز 1.6 مليار ريال على أعضاء مجلس إدارة الشركة، وألزمتهم بإعادة الأموال التي حصلوا عليها بطرق غير قانونية.
وهذه السابقة توضح أن السوق المالية السعودية لا تتهاون مع التجاوزات المالية والإدارية، مما يعزز الشفافية والرقابة في السوق. وفي سابقة أخرى، ألزمت اللجنة الجهة المدعى عليها بدفع تعويض مالي قدره 1,256,418 ريالًا لمستثمر رفع دعوى؛ بسبب التلاعب بالقوائم المالية لشركة مدرجة في السوق المالية قرار رقم 2994/ل/د1/2020م لعام 1442هـ.
دلالة هذه القضايا على السوق المالية
تُظهر قضية أسمنت الجوف وغيرها من القضايا أن المساءلة القانونية لم تعد خيارًا، بل أصبحت ضرورة لضمان استقرار السوق المالية وحماية حقوق المستثمرين.
وبغض النظر عن النتائج النهائية لهذه الدعاوى، فإن هذا الاتجاه يعزز الشفافية في السوق المالية السعودية، ويؤكد أهمية الالتزام بمعايير الحوكمة الرشيدة، مما يساهم في خلق بيئة أعمال أكثر استدامة.
ونظرًا لخطورة وتعقيد مثل هذه القضايا، فإن الاستعانة بالخبراء القانونيين المختصين أمر ضروري لضمان الامتثال للوائح والأنظمة، وحماية حقوق جميع الأطراف ذات العلاقة، وهو الدور الذي يقدمه مكتب السلامة للمحاماة.
نصائح للشركات الأخرى لتجنب مثل هذه القضايا:
تجنب رفع دعاوى مسؤولية على أعضاء مجلس الإدارة يتطلب من الشركات اتخاذ مجموعة من التدابير القانونية والإدارية التي تعزز الامتثال والحوكمة الرشيدة ، وفيما يلي بعض النصائح الهامة التي يمكن أن تساعد الشركات على حماية أعضاء مجلس إدارتها من المسؤولية القانونية، مستفيدة من الدروس المستخلصة من قضية شركة أسمنت الجوف:
1- الالتزام الصارم بالأنظمة والقوانين المعمول بها:
يجب أن يلتزم مجلس الإدارة بجميع القوانين واللوائح التنظيمية، وأهمها:نظام الشركات السعودي ،والذي يحدد مسؤوليات وواجبات أعضاء مجلس الإدارة، والالتزام بلوائح هيئة السوق المالية (CMA) للشركات المدرجة، لا سيما فيما يتعلق بالإفصاح والشفافية والحوكمة، ونظام الإفلاس، نظام المنافسة، الأنظمة المحاسبية والضريبية لضمان عدم انتهاك أي لوائح مالية أو تنظيمية.
2- الحوكمة الفعالة وتعزيز الرقابة الداخلية:
يجب تطبيق إجراءات رقابية صارمة لضمان أن جميع قرارات المجلس تتماشى مع مصلحة الشركة والمساهمين، وتفعيل لجان التدقيق والمراجعة الداخلية لمتابعة أي تجاوزات مالية أو قانونية قبل تفاقمها، والتأكد من وجود لوائح تنظيمية واضحة داخل الشركة تحدد أدوار ومسؤوليات مجلس الإدارة، لتجنب اتخاذ قرارات فردية غير مدروسة.
3- الشفافية والإفصاح المنتظم
يجب الامتثال الكامل لمتطلبات الإفصاح المالي والإداري التي تفرضها هيئة السوق المالية، وعدم إخفاء أو تأجيل الإفصاح عن أي معلومات جوهرية قد تؤثر على حقوق المساهمين أو الوضع المالي للشركة، والتأكد من أن جميع محاضر الاجتماعات مدونة بدقة، بحيث تعكس جميع القرارات التي اتخذها المجلس مع المبررات القانونية والمالية.
4- اتخاذ قرارات مبنية على دراسة قانونية ومالية دقيقة:
يجب الاستعانة بمستشارين قانونيين وماليين مستقلين قبل اتخاذ القرارات الهامة، خصوصًا تلك التي تتعلق بالاستثمارات الكبرى، القروض، أو التعاقدات الضخمة، والتأكد من توثيق جميع القرارات لتوضيح الأسس القانونية والمالية التي استندت إليها، ما يقلل احتمالية الادعاء بسوء الإدارة أو الإهمال.
5- تفادي تعارض المصالح ومنع الاستغلال الشخصي للسلطة:
يجب وضع سياسات واضحة تمنع تضارب المصالح وتلزم أعضاء المجلس بالإفصاح عن أي مصلحة شخصية في قرارات الشركة، وعدم استغلال أعضاء مجلس الإدارة لمناصبهم لتحقيق مصالح شخصية أو لإبرام عقود مع شركات يمتلكون فيها حصصًا بدون الإفصاح اللازم.
6- اتباع الإجراءات الصحيحة في حالات الأزمات
إذا واجهت الشركة مشاكل مالية أو إدارية، ينبغي على المجلس اتخاذ قرارات استباقية لمعالجة المشكلات بدلاً من إخفائها أو تأجيلها، لتجنب اتهامهم بالإهمال الجسيم، والالتزام بآليات إعادة الهيكلة أو تصحيح الأوضاع القانونية إذا كان هناك أي احتمال لتعرض الشركة لمخاطر الإفلاس أو المساءلة القانونية.
7- اتخاذ قرارات جماعية وتوثيق الاعتراضات:
يجب الحرص على اتخاذ جميع القرارات بشكل جماعي خلال اجتماعات رسمية موثقة، وليس بناءً على قرارات فردية، وفي حال اتخاذ قرار قد يكون محل نزاع قانوني لاحقًا، يجب على الأعضاء الذين لديهم تحفظات توثيق اعتراضاتهم في محضر الاجتماع لتجنب مسؤوليتهم الشخصية.
8- مراجعة وتحديث السياسات الداخلية بانتظام
يجب مراجعة سياسات الشركة الداخلية بشكل دوري، والتأكد من توافقها مع أحدث التعديلات في الأنظمة والقوانين ، وتقديم تدريب دوري لأعضاء مجلس الإدارة حول مسؤولياتهم القانونية، التزاماتهم الائتمانية، والمخاطر المحتملة.
تجنب المساءلة القانونية لأعضاء مجلس الإدارة يتطلب التزامًا قويًا بالحوكمة، الشفافية، الامتثال القانوني، والإدارة السليمة للمخاطر.
ومن الضروري أن تتبنى الشركات سياسات صارمة لمنع الإهمال، تضارب المصالح، وسوء الإدارة، لضمان حماية أعضاء مجلس إدارتها من أي مساءلة قانونية قد تنشأ، مثلما حدث مع شركة أسمنت الجوف.
ختامًا ، يهدف هذا المقال، الذي يقدمه مكتب السلامه للمحاماة والاستشارات القانونية، إلى تقديم تحليل قانوني عام حول المسؤولية القانونية لأعضاء مجالس الإدارة في الشركات المساهمة، استنادًا إلى المعلومات المنشورة علنًا في المصادر الرسمية.
ولا يشكل هذا المقال رأيًا قانونيًا ملزمًا أو تقييمًا للحالات المذكورة، كما أن الجهات المختصة هي صاحبة القرار النهائي في الفصل بهذه القضايا.