لماذا ترفض المحكمة قضايا التعويض في الشركات لأسباب شكلية؟
في مدينة الرياض، تأسست شركة سعودية ذات مسؤولية محدودة في أواخر عام 2018م ، الشراكة كانت قائمة بين طرفين: “المدعي” (شريك بنسبة 49%) و “المدعى عليه” (المدير والشريك القادم باستثماراته.) في تاريخ 1442/03/19هـ، نشأ نزاع حاد أدى إلى توجه “المدعي” إلى المحكمة التجارية.
كان جوهر الدعوى هو طلب “المدعي” التفتيش والمحاسبة على أعمال الشركة خلال الفترة من 2018 إلى 2020م. اتهم المدعي شريكه (المدير) بأنه فرط في الأمانة، واستغل موارد الشركة لمصلحته الخاصة، وسحب مبالغ مالية ضخمة، مما جعل رصيد الشركة صفراً، ثم قام بعزل نفسه من الإدارة دون إذن، تاركاً الشركة تتخبط في الخسائر.
دفوع المدعي
- المدعى عليه أدار الشركة لمدة عامين بإهمال شديد مخالفاً “واجبات العناية والولاء”، مما كبد الشركة خسائر فادحة بدلاً من الأرباح الموعودة.
- استغل المدعى عليه موظفي الشركة ومواردها لخدمة شركاته الخاصة الأخرى (شركة تقنية وفنادق)، حيث جعلهم يعملون على برامج خاصة به دون مقابل للشركة محل الدعوى.
- قام المدعى عليه ببيع وتشغيل برنامج تقني (طبي) مملوك للشركة لصالح سلسلة صيدليات (40 فرعاً)، وقبض الثمن لنفسه دون إيداع أي مبلغ في حساب الشركة.
- تهرب من عقد الجمعيات العمومية ورفض تقديم القوائم المالية لعامي 2019 و2020 لإخفاء الوضع المالي.
- قام بسحب مبالغ نقدية ضخمة (حوالي مليون ومائة ألف ريال) عبر شيكات حررها لنفسه ولشقيقه وشخص آخر، مما أفرغ خزينة الشركة تماماً.
- قام بتعديل السجل التجاري وعزل نفسه من الإدارة خلسة، بل وغير رقم التواصل في الحسابات الحكومية ليقطع الطريق على المدعي.
دفوع المدعي عليه
- سرد المدعى عليه أن بداية القصة كانت “عملية احتيال”، حيث أوهمه المدعي قبل الشراكة بأن لديه شركة ناجحة وبرامج تقنية تدر ملايين (توقعات بإيرادات 510 مليون ريال)، مما دفعه لشراء 51% من الحصص مقابل 5 ملايين ريال. ليكتشف لاحقاً أن المشاريع وهمية.
- دافع بأنه وإن كان مديراً بالاسم، إلا أن “المدعي” كان هو المدير الفعلي والمسيطر على الموظفين والعمليات (واستدل بمحادثات واتساب)، وأن دوره (المدعى عليه) اقتصر على ضخ الأموال فقط.
- بخصوص “السرقة”، أوضح أن الشركة لم تحقق أي دخل (صفر إيرادات)، وأنه اضطر لدفع رواتب ومصاريف من جيبه الخاص كـ “قرض حسن” للشركة (حوالي 2 مليون ريال). وعندما اكتشف أن الشركة وهمية، قام باسترداد “ما تبقى” من أمواله التي أقرضها، ولم يسرق شيراً.
- نفى بيعه، وأوضح أن المدعي هو من طلب تجربته على الفروع لاكتشاف الثغرات، ولم يتم بيعه أو تحقيق أرباح منه.
- اعتبر أن هذه الدعوى “كيدية” ورد فعل؛ لأن المدعى عليه كان قد سبق ورفع دعوى “احتيال مالي” ضد المدعي أمام النيابة العامة، فقام المدعي برفع هذه القضية للضغط عليه والتشويش.
الحكم
بالرغم ان الحق في صالح المدعي إلا أن المحكمة حكمت : بعدم قبول هذه الدعوى.
أسباب الحكم
- أوضحت المحكمة أن رقابة الشركاء على حسابات الشركة ليست مطلقة بل منظمة بنصوص القانون وعقد التأسيس، وتبدأ هذه الرقابة بإعداد القوائم المالية من قبل المدير، ثم مراجعتها من قبل “محاسب قانوني خارجي”، ثم عرضها على الجمعية العامة للشركاء لاعتمادها أو الاعتراض عليها، وبما أن المدعي أقر بعدم وجود قوائم مالية معتمدة، فلا يمكن للقضاء النظر في النزاع قبل استنفاد هذه الإجراءات الداخلية أولاً.
- أكدت الدائرة مبدأً هاماً وهو أن المحكمة ليست جهة محاسبة لتنشئ الحقوق وتكتشفها من الصفر. لا يجوز للشركاء اللجوء للمحكمة لطلب “تفتيش ومحاسبة شاملة” للبحث عن الأخطاء؛ لأن ذلك يخرج القضاء عن حياده ويحوله إلى طرف إداري أو محاسبي بدلاً من كونه جهة فصل في الخصومات المحددة.
- رفضت المحكمة طلب “التفتيش” المستند للمادة (102) من نظام الشركات، مسببة ذلك بأن هذا الحق (بآليته القضائية الخاصة) مقرر حصراً لـ “الشركات المساهمة”، ولا ينطبق على الشركات “ذات المسؤولية المحدودة” لاختلاف الطبيعة القانونية والرقابية بينهما.
- المحكمة رأت أن الطريق الصحيح هو إما دعوى بطلان قرارات الجمعية العامة (بعد صدورها) أو دعوى المسؤولية (التعويض) عن أخطاء محددة، وليس طلب ندب خبير للقيام بعمل المدير أو المحاسب القانوني للشركة.
العبرة القانونية:-
- لا تقفز إلى المحكمة لطلب المحاسبة قبل أن تفعّل أدوات الشركة الداخلية (تعيين مراجع حسابات وعقد جمعية عمومية وإجبار المدير على إعداد القوائم المالية).
- القضاء التجاري لا يقبل الدعاوى العامة أو الاستكشافية (مثل: “فتشوا لي الشركة لأرى إن كان هناك سرقة”). يجب أن تكون الدعوى محددة بوقائع ثابتة وأضرار محددة بناءً على مستندات (مثل قوائم مالية معترض عليها).
- الآليات القانونية المتاحة للشركة المساهمة (مثل طلب التفتيش القضائي) قد لا تكون متاحة للشركة ذات المسؤولية المحدودة، مما يوجب على المحامي اختيار المسار النظامي الصحيح لنوع الشركة.
راي مكتب السلامه للمحاماة والاستشارات القانونية.
لماذا خسر المدعي رغم أن “الحق معه”؟
خسارة هذه الدعوى ليست خسارة للحق الموضوعي (أي لم تحكم المحكمة ببراءة ذمة المدير)، بل هي “خسارة إجرائية”، المحكمة تقول للمدعي بعبارة أخرى: “لقد جئت من الباب الخطأ، وفي الوقت الخطأ”.
طلب “ندب خبير للمحاسبة والتفتيش” في شركة ذات مسؤولية محدودة دون وجود قوائم مالية سابقة يُعتبر محاولة لجعل المحكمة تقوم بدور “إدارة الشركة”، وهو ما ترفضه المحاكم لعدم الاختصاص الولائي (فالمحكمة تفصل في النزاع ولا تدير الشركات).
الحل البديل الذي كان يجب اتباعه:
بما أن المدعي يملك 49% (أو حتى لو كان شريكاً أقلية)، كان يجب عليه أولاً الدعوة لعقد جمعية عامة (أو إجبار المدير عليها عبر وزارة التجارة إذا امتنع) في الجمعية، يتم تعيين مراجع حسابات خارجي لإعداد التقرير المالي وعندما يصدر التقرير وتظهر فيه “السرقات” أو “عدم وجود مستندات”، هنا يمتلك المدعي دليلاً، فيرفع دعوى “مسؤولية المديرين” (دعوى تعويض) بناءً على المادة 167 وما بعدها، مطالباً بإلزام المدير بدفع المبالغ المحددة التي كشفها التقرير.


