هل أمر الشراء مستند كافي لإلزام المشتري؟
قامت إحدى الشركات بطلب عروض أسعار حول توريد مواد لأحد مواقعها في جدة. وبعد فرز العروض المقدمة، أرسلت الشركة أمر شراء بالفاكس لأحد المتقدمين لتوريد عدد من المواد المذكورة في عرضه دون تحديد مدة التوريد أو تفاصيل أخرى. وبعد فترة، أرسلت الشركة بريدًا إلكترونيًا تُوضح فيه أنها ألغت أمر الشراء المرسل سابقًا. وهنا واجه مقدم عرض السعر حيرةً كبيرة في كيفية إلزام الشركة بما طلبته من منتجات، وكيف يُعوَّض عن الضرر الذي لحق به جراء هذا التصرف الغير عادل.
1. الأساس القانوني لأمر الشراء
يُعتبر أمر الشراء مستنداً قد يكون ملزماً لإلزام المشتري إذا تضمن عناصر العقد الأساسية مثل العرض والقبول والنية القانونية؛ حيث يُستدل عليه قانونياً كعقد قائم. وقد تُستند الأحكام القضائية والأعراف التجارية في المملكة العربية السعودية على ذلك، مما يعني أنه في حالة ورود أدلة إضافية من خلال المراسلات (مثل البريد الإلكتروني الذي يُفيد بالإلغاء)، فإن المحكمة ستنظر في نية الطرفين ومدى وضوح الاتفاق.

2. الفرق بين التعاقد والوعود غير الملزمة
يجب التفريق بين التعاقد، الذي ينشأ من وقوع أي فعل يُدل على رضا الطرفين (كإرسال أمر شراء متكامل التفاصيل)، وبين مجرد الوعد الذي لا يكون ملزمًا قضائياً. فقد أقرت محكمة الاستئناف بالرياض في حكم رقم (٢/٣٥٤/ق لعام ١٤١٣هـ) أن مجرد الوعد بالشيء لا يلزم الواعد إذا رغب في عدم إتمام وعده؛ وهو ما يعني ضرورة إبرام عقد مكتوب يُوضح كافة الالتزامات لتفادي المخاطر القانونية وعدم التعرض لخسائر مالية كبيرة.
3. دراسة الحالة العملية
في المثال المطروح:
- الإجراء الأول: قامت الشركة بإرسال أمر شراء بالفاكس، والذي يُظهر قبول المشتري لعرض السعر المقدم. هذا الإجراء يُمثل مرحلة من مراحل التعاقد، إذ يُعتبر بمثابة إعلان عن نية إبرام العقد.
- الإجراء الثاني: بعد فترة، أرسلت الشركة بريدًا إلكترونيًا تُبلغ فيه بأنها ألغت أمر الشراء السابق. هذه الخطوة تترك مجالاً للتأويل والتبرير، حيث يمكن للطرف الآخر أن يُجادل بأن العقد قد انعقد بالفعل استنادًا إلى أمر الشراء والمراسلات السابقة.
- النتيجة العملية: إذا لم يُحترم الاتفاق ولا تُتخذ الإجراءات اللازمة لتوثيق التعاقد (مثل إبرام عقد مكتوب يحدد مدة التوريد وتفاصيل التنفيذ)، فإن ذلك قد يؤدي إلى نزاعات تجارية تضر بمصالح الطرفين. كما أن عدم توثيق العقد يُعرض الطرف الذي اعتمد على أمر الشراء لخسائر مالية كبيرة، خاصةً إذا كانت الخسائر ناتجة عن تأخير أو عدم تنفيذ الالتزامات، وهو ما قد يصل مثلاً إلى تكلفة يوم إجازة (كما في حالة الشركات التي تضم ألف موظف بمتوسط 200 ريال يومياً، أي ما يعادل 200,000 ريال يوم عمل).
4. السياق الأخلاقي والشرعي
يُذكر في الأصل أن “إن العهد كان مسؤولا” وهي إشارة إلى الآية الكريمة التي تحث على الوفاء بالعهد، مما يحمل بعداً أخلاقياً وشرعياً هاماً في تنظيم العلاقات التعاقدية. فهذا المبدأ يُؤكد أن الالتزام بالتعاقد هو أمر مقدس يجب احترامه، وأن أي إخلال به يؤدي إلى اضطراب التعاملات والثقة بين الأطراف. وفي هذا السياق، فإن التعاقد بصيغة مكتوبة يضمن تحقيق صورة واضحة للاتفاق، ويُحافظ على حقوق الأطراف ويمنع وقوع نزاعات تؤدي إلى خسائر مادية ومعنوية.
5. التوصيات العملية
- إبرام عقد مكتوب مفصل:
- يجب على الأطراف إبرام عقد مكتوب يشمل كافة البنود الجوهرية مثل مدة التوريد وآلية السداد وإجراءات التعويض، لتفادي أي مجال للتفسير والتأويل.
- توثيق المراسلات:
- يُنصح باستخدام العقود الالكترونيه في السعودية لتوثيق كافة المراسلات والاتفاقيات، مما يُقلل من رسوم العقود الالكترونيه ويُساهم في حفظ البيانات في السجل التجاري.
- الاستشارة القانونية:
- يجب الاستعانة بـ مكتب محاماة واستشارات قانونية متخصص لتقديم المشورة وضمان توافق العقد مع الأنظمة السعودية، سواء كنت تدير شركة الشخص الواحد أو كنت جزءًا من شركة قانونية كبيرة.
- تأكيد النية التعاقدية:
- ينبغي على الأطراف التأكد من وضوح نية كل طرف في التعاقد، سواء عبر أمر الشراء أو عبر المراسلات الأخرى، لتجنب الخلافات والنزاعات المحتملة.
- تعزيز التواصل والشفافية:
- يوصى بتوثيق كافة الإشعارات والمراسلات، سواءً كانت إلكترونية أو ورقية، للحفاظ على سجل واضح يُستخدم كدليل قانوني في حالة النزاع.