هل يجوز ان يتضمن عقد العمل شرط التحكيم
27 فبراير 2025

هل يجوز ان يتضمن عقد العمل شرط التحكيم

في بعض الأحيان يطرح موظفو الموارد البشرية في الشركات والمؤسسات سؤالا قانونيًا نحو استغلال الوسائل البديلة لتسوية المنازعات، مثل التحكيم وهذا السؤال يعد مسألة قانونية أو استشارة قانونية يجاب عنها، على الرغم من أنّ الأصل في منازعات العمل هو اللجوء إلى المحاكم العمالية المختصة، فإنّ التحكيم يطرح كخيار قابل للنظر فيه، شريطة احترام الإطار النظامي وضوابط حماية حقوق العمال، بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام.

 

هل يجوز ان يتضمن عقد العمل شرط التحكيم ؟

إنّ المسألة الجوهرية هي مدى جواز وإلزامية شرط التحكيم في عقود العمل وفق النظام السعودي، وحدود تطبيقه على نحو لا يتعارض مع أحكام نظام العمل الصادر، ونظام التحكيم ولائحته التنفيذية، وتدور المسألة حول عدد من المحاور، أبرزها:

  • أولاً: طبيعة اتفاق التحكيم في عقود العمل.
  • ثانياً: شروط صحة وإلزامية شرط التحكيم.
  • ثالثاً: حدود النظام العام وحماية حقوق العامل.
  • رابعاً: أثر الاتفاق على التحكيم أمام القضاء وسوابقه في النظام السعودي.

 

أولاً: طبيعة اتفاق التحكيم في عقود العمل

أتاحت المادة (224) من نظام العمل أمام أصحاب العمل والعمال إدراج شرط تحكيمي صريح في عقد العمل، يتيح لهما تسوية ما قد ينشأ بينهما من منازعات عن طريق التحكيم، بدلًا من اللجوء إلى جهات الفصل العمالية التقليدية، فنص المادة “يجوز لطرفي عقد العمل تضمينه نصًّا يقضي بتسوية الخلافات بطريقة التحكيم، كما يمكن لهما الاتفاق على ذلك بعد نشوء النزاع، وفي جميع الأحوال تطبق أحكام نظام التحكيم النافذ في المملكة ولائحته التنفيذية.” وهذا يعني أنه بمقدور الطرفين، بمحض إرادتهما وتوافقهما المسبق أو اللاحق، إحالة النزاع إلى هيئة تحكيمية ترتضيها الأطراف، مع التقيّد بأحكام النظام العام والأنظمة المرعية ذات العلاقة، إلا انه بتعديل نظام المرافعات الشرعية عام 1435 تم إلغاء الباب الرابع عشر من نظام العمل (والذي يضم المادة (224)) وهذا التعديل كان جزءاً من الإصلاحات القضائية الواسعة، فقد جاءت هذه الخطوة ضمن جملة من التعديلات الهيكلية التي شهدها النظام العدلي في المملكة. إذ صادف هذا الإلغاء – وفق المادة الأولى من المرسوم الملكي إنشاء المحاكم العمالية ومباشرتها اختصاصاتها، مما أدى إلى تحويل اختصاص الفصل في منازعات العمل من هيئات التسوية العمالية إلى القضاء العمالي، ويعكس هذا التوجه التنظيمي رغبة المشرّع في تكريس دور السلطة القضائية المختصة، وخلق مسار قضائي أكثر استقرارًا لتسوية الخلافات الناشئة في علاقات العمل، مع احتفاظ الأطراف بإمكانية الاتفاق على التحكيم ضمن الأطر النظامية الجديدة، وبما لا يتعارض مع المقتضيات الجوهرية لنظام العمل والمرافعات الشرعية بعد التعديلات.

 

شرط التحكيم في عقد العمل

أذن يعني ذلك إمكانية إجراء التحكيم في المنازعات العمالية، فوفق نظام التحكيم الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/34) وتاريخ 24/05/1433هـ، الذي وضع إطاراً واضحاً ومعيارياً للتعامل مع المنازعات المتضمنة شرط تحكيمي، بما في ذلك المنازعات العمالية، فقد نصت المادة الحادية عشرة من نظام التحكيم بعبارات صريحة على التزام المحكمة التي يرفع إليها النزاع بالامتناع عن نظر الدعوى متى وُجد اتفاق تحكيم، إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل أي طلب أو دفع في الدعوى. وجاء في النص: “يجب على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد في شأنه اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم جواز نظر الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل أي طلب أو دفاع في الدعوى.” وهذا تأكيد صريح على وجوب احترام إرادة الأطراف إذا توافرت أركان اتفاق التحكيم وشروطه النظامية، ويضاف إلى ذلك ما نصت عليه المادة الخامسة من نظام التحكيم من إمكان إخضاع العلاقة القائمة بين الطرفين لأحكام أي وثيقة مرجعية كعقد نموذجي أو اتفاقية دولية تشمل بنوداً تحكيمية، بشرط عدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية.

وبذلك، فإن أي اتفاق واضح وصريح على التحكيم يصبح ملزماً لكل من الجهات القضائية وهيئات التحكيم، ضمن الحدود التي رسمها النظام وضوابط الشريعة.
وعليه، فإن التحكيم في القضايا العمالية مقبول من الناحية النظامية ومُحترَم قضائياً، وليس ثمة ما يمنع الأطراف من الاتفاق عليه، شريطة الالتزام بالضوابط والشروط المنصوص عليها في نظام التحكيم، وانسجامها مع متطلبات النظام العام وأحكام الشريعة الإسلامية.

 

الفرق بين شرط التحكيم ومشارطة التحكيم

يُعد اتفاق التحكيم بمثابة حجر الأساس الذي تنبني عليه العملية التحكيمية، وقد يكون هذا الاتفاق سابقاً لنشوء النزاع (شرط التحكيم) ومدرجاً في عقد العمل ذاته، أو لاحقاً لنشوء النزاع (مشارطة التحكيم) يُبرم عندما تتأزم العلاقة بين الطرفين، وفي الحالتين لا بد أن يكون الاتفاق مكتوباً وواضحاً، بحيث لا يدع مجالاً للشك في نية الطرفين إحالة نزاعهما إلى التحكيم بدلاً من اللجوء إلى القضاء، وفي ضوء الأنظمة السعودية لا يوجد نص صريح يمنع اللجوء إلى التحكيم في منازعات العمل، بل إن غياب المنع يُفهم منه الإباحة المشروطة بحدود النظام العام وحماية الطرف الأضعف، وهو العامل.

تعرف على: إجراءات التحكيم في السعودية

 

ثانياً: شروط صحة وإلزامية شرط التحكيم

لا يكفي مجرد النص على التحكيم في العقد، بل يتعين أن يصدر هذا الاتفاق عن إرادة حرة، واعية، ومتبادلة بين العامل وصاحب العمل، فشرط التحكيم لا يصح إذا كان مفروضاً على العامل دون موافقته الصريحة، أو إذا تضمّن إسقاطاً مسبقاً لحقوق مقررة بنظام العمل، إنّ الكتابة والوضوح وصلاحية التصرف في الحقوق من قبل كلا الطرفين، جميعها عناصر جوهرية لتكوين اتفاق تحكيمي صحيح وملزم، كذلك ينبغي مراعاة أنّ الجهات الحكومية لا يجوز لها اللجوء إلى التحكيم إلا بموافقة رئيس مجلس الوزراء، ما لم ينص نظام خاص على جواز ذلك، هذه الشروط تضمن أن يكون اللجوء إلى التحكيم خياراً حقيقياً لا شكلياً، لا سيما في العقود العمالية التي يغلب فيها أن يكون العامل الطرف الأضعف.

 

ثالثاً: حدود النظام العام وحماية حقوق العامل

لا يمكن أن يُستخدم التحكيم وسيلة للالتفاف على الحد الأدنى من الحقوق العمالية المقررة في النظام. فإذا تضمّن اتفاق التحكيم تنازلاً ضمنياً أو صريحاً عن حقوق العامل النظامية، كان مخالفاً للنظام العام، ويحق للقضاء أو لهيئة التحكيم ذاتها استبعاده. إن التوازن بين حرية التعاقد واحترام الحقوق النظامية أمر حاسم، فالمشرّع السعودي وإن لم يرفض فكرة التحكيم في العقود العمالية، فقد أحاطها بسياج النظام العام لضمان العدالة. هذه الحدود ليس المقصود منها تضييق التحكيم، بل صيانة حقوق العمال، ومنع استغلال ضعف موقفهم في التعاقد.

 

رابعًا: أثر الاتفاق على التحكيم أمام القضاء وسوابقه في النظام السعودي

حين يُدرج شرط تحكيم صحيح وملزم في عقد العمل، ويُنص عليه بوضوح، فإنّ القضاء السعودي—الذي شهد في سوابق قضائية صادرة من محاكم في الرياض وجدة والدمام إعمال شرط التحكيم في منازعات العمل—يميل إلى احترام هذا الاتفاق شريطة عدم تعارضه مع النظام العام. وعند إثارة الدفع بشرط التحكيم قبل أي طلب أو دفاع في الدعوى، وجب على المحكمة أن تحيل النزاع إلى التحكيم، ما لم يتبين لها بطلان الشرط أو مخالفته للنظام العام. ومن اللافت أنّ رفع دعوى أمام المحاكم المختصة لا يمنع من بدء إجراءات التحكيم أو الاستمرار فيها، ويترك للقضاء—إذا دُفع أمامه بشرط التحكيم في الوقت المناسب—تحديد مدى صلاحيته وإنفاذه. هذه الممارسات القضائية تشي بثقة واضحة في التحكيم كآلية بديلة سريعة ومرنة، خصوصاً مع ازدياد الوعي القانوني وحرص المحكّمين على اتّباع إجراءات عادلة تحفظ توازن العلاقة العمالية.

تعرف على: خدمات موقع السلامة 

 

يتضح من مجموع النصوص والأحكام القضائية والمناقشات الفقهية، أنّ التحكيم خيار ممكن في فض المنازعات العمالية بالمملكة العربية السعودية، شريطة أن يُحسن الأطراف تصميم شرط التحكيم في العقد، وأن يتحققوا من إرادتهم الحرة المشتركة في الخضوع له، مع الحفاظ على الحد الأدنى من حقوق العامل، هذا التوجه يتناغم مع رؤية المملكة 2030 وسعيها نحو بناء بيئة أعمال مرنة وجاذبة للاستثمار، إذ يُعدّ التحكيم أداةً إضافية لتسوية المنازعات بفاعلية وكفاءة، مما يعزز ثقة الأطراف الوطنية والدولية في المنظومة القانونية السعودية.
إلا أننا ننصح دائما بأحد أمرين إما أن يكون التحكيم خاضعاً للمركز السعودي للتحكيم أو أن يكون التحكيم في عقود العمل الكبيرة لأن تكلفة التحكيم قد تكون مؤثرة على الإقدام على الدعوى التحكيمية.
ويمكن للمهتمين الحصول على إستشارة قانونية بخصوص القضايا العمالية والتحكيم، حيث يحظى فريق العمل بخبرة واسعة في هذا المجال.

 

شارك على لينكدان

التعليقات

لا توجد تعليقات هل يجوز ان يتضمن عقد العمل شرط التحكيم

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *