كيف تجنب مالك أرض دفع رسوم 2 مليون ريال قانونياً؟
في قلب مدينة الرياض، وتحديدًا في العام 1440 هجري، رُفعت دعوى قضائية لم تكن كغيرها ، شركة تملك قطعة أرض كبيرة على سواحل الخليج العربي، وجدت نفسها في مواجهة وزارة الإسكان بسبب قرار مفاجئ من الوزارة بفرض رسوم على أرضها بلغت 2 مليون ريال سعودي، ضمن نظام رسوم الأراضي البيضاء.
عناصر المقال
الوقائع: أرضٌ مغمورة ومتاهة الموافقات
تعود القضية إلى أرض كانت في الأصل مغمورة بالمياه ضمن بيئة ساحلية. منذ عام 1435هـ، بذلت الشركة المالكة جهودًا مضنية ومكلفة لتحويل هذه الأرض إلى مشروع عمراني.
كان التحدي الأكبر يتمثل في متاهة الموافقات الحكومية المعقدة، حيث اضطرت الشركة للتعامل مع عشرات الجهات الحكومية المتنوعة (مثل الأمانة و حرس الحدود ووزارة الزراعة ووهيئات البيئة والمساحة العسكرية). استغرقت هذه الإجراءات سنوات طويلة وتضمنت قرابة 40 معاملة، حيث لم تكن مجرد تراخيص بناء عادية، بل تطلبت إعداد دراسات جيولوجية وبيئية معقدة وتقييمات للأثر البيئي.
كل هذه الجهات كانت تضع شروطًا ومتطلبات تستغرق سنوات للحصول على موافقاتها، لم يكن الأمر مجرد استخراج تراخيص بناء، بل كان يتعلق بإعداد دراسات جيولوجية وهيدرولوجية وبيئية، وغيرها من المعاملات التي وصلت إلى قرابة 40 معاملة خلال عدة سنوات.
دفوع المدعية:
وقفت المدعية أمام المحكمة الإدارية توضح أن فرض الرسوم على أرضها قرار غير صحيح ويجب إلغاؤه، واستندت في ذلك إلى عدة نقاط قوية:
- الأرض ليست أرض فضاءبمقصود النظام ، بل إنها أرض مغمورة بالمياه وبها عوائق طبيعية وبيئية كبيرة تمنع تخطيطها أو البناء عليها بشكل مباشر.
- أن الموافقات المطلوبة من الجهات المتعددة ليست مجرد إجراءات روتينية، بل هي متطلبات جوهرية لردم الأرض وتطويرها، وأنها تستغرق وقتًا وجهدًا ومالًا،و. هذه الإجراءات، في حد ذاتها، تشكل “عائقًا” حقيقيًا يحول دون إكمال تطوير الأرض.
- هي جادة في التطوير والدليل على ذلك أنها بدأت بالحصول على الموافقات اللازمة قبل صدور نظام رسوم الأراضي البيضاء.
- اللائحة التنفيذية لنظام الرسوم تستثني صراحة تطبيق الرسم في حال وجود عائق يحول دون صدور التراخيص والموافقات اللازمة للتطوير، وهو ما ينطبق تماماً على حالتها، مع نفي تسببها في هذا العائق
دفوع المدعى عليها: “مجرد إجراءات، والتطوير لم ينتهِ!”
في المقابل، دافعت وزارة الإسكان عن قرارها بفرض الرسوم، وذكرت:
- اللائحة صريحة بأن الرسم لا يسقط إلا بعد الانتهاء التام من تطوير الأرض واعتماد مخططها النهائي.
- اعتبرت الوزارة أن التقدم بطلب التخطيط واستكمال الإجراءات الرسمية لدى الجهات الحكومية لا يمكن اعتباره “مانعًا” أو “عائقًا” يحول دون تطوير الأرض، هذه الإجراءات هي جزء لا يتجزأ من عملية التطوير.
لحظة الحقيقة: خطاب الأمانة والقرار النهائي
وسط هذا الجدل، طلبت المحكمة استيضاحًا حاسمًا من أمانة المنطقة الشرقية حول حالة الأرض ومعاملات الشركة. جاء رد الأمانة كاشفًا:
- أن الأرض مغمورة بمياه الخليج العربي بالكامل.
- أن عملية التطوير تتطلب عرض الموضوع على لجنة الردم والتجريف العليا، وإعداد دراسات تقييم الأثر البيئي، وتقييم المخاطر البيئية، والالتزام بالتعويض البيئي لوزارة البيئة والمياه والزراعة.
- أن الموافقات ليست شكلية، وأن هناك شروطًا كثيرة يجب الوفاء بها من عدة جهات.
- أن الموافقة النهائية على الردم صدرت بعد جهود مضنية، وأن اعتماد المخطط النهائي مرهون بتنفيذ البنية التحتية بالكامل.
- أن العمل على ردم الموقع وتنفيذ البنية التحتية “جارٍ” من قبل الملاك، ولم تنسب أي تقصير للمدعية.
الحكم:
إلغاء القرار الصادر بفرض رسم قدره مليوني ريال سعودي و تأييد الحكم من محكمة الاستئناف.
أسباب الحكم:
استندت المحكمة في حكمها إلى أسباب جوهرية:
- اعتبرت المحكمة أن غمر الأرض بالمياه وتعقيد وطول إجراءات الموافقات الحكومية يشكلان عائقًا حقيقيًا حال دون تطوير الأرض.
- خطاب أمانة المنطقة الشرقية لم ينسب أي تقصير للمدعية، بل أثبت جديتها في التطوير قبل صدور النظام.
- رأت المحكمة انطباق المادة التاسعة (فقرة ج) من اللائحة التنفيذية لنظام رسوم الأراضي البيضاء، التي تعفي من الرسم عند وجود عائق يحول دون التراخيص.
- المحكمة لم تكتف بالتفسير الحرفي، بل أخذت بغاية النظام المتمثلة في زيادة المعروض ومكافحة الاحتكار، واعتبرت فرض الرسم في هذه الحالة ظلمًا.
- شددت المحكمة على ضرورة مراعاة سعي المالك السابق للتطوير، والوقت الذي تستغرقه الجهات المختصة، فلا يجوز معاقبته على عوائق خارجة عن إرادته.
العبرة القانونية: العائق الحقيقي يسقط الرسم
هذا الحكم يؤسس لمبدأ قانوني هام: إن وجود عائق حقيقي وموثق خارج عن إرادة المكلف يحول دون إكمال تطوير الأرض أو الحصول على تراخيصها، يسقط عنه تطبيق رسوم الأراضي البيضاء. فليس المقصود من النظام معاقبة من يسعى بجدية للتطوير، ولكنه يواجه تحديات إجرائية وبيئية كبيرة لا يملك التحكم بها. العبرة هي في الجدية في السعي، ووجود العائق غير المتسبب فيه.
رأي مكتب السلامه للمحاماة والاستشارات القانونية:
لقد تم تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء ولائحته التنفيذية مؤخراً، ولكن نص المادة 9 المتعلق بوجود الموانع لم يتغير، بل أُعيد ترقيمه في اللائحة الجديدة تحت المادة 8 مع إضافة إعفاءات جديدة ، مما يعني أن المبدأ الذي استندت إليه المحكمة في هذه القضية لا يزال ساري المفعول ويُمكن الاحتجاج به في قضايا مشابهة.
لذا، ننصحكم بما يلي:
- في حال كانت أراضيكم بيضاء، أظهروا دائمًا نيتكم الجادة في التطوير، ابدأوا في الإجراءات، وقدموا الطلبات، وتابعوا المعاملات بشكل استباقي فهذا يؤدي الى اعفائكم من الرسوم.
- احتفظوا بسجلات دقيقة ومفصلة لجميع مراسلاتكم وطلباتكم وإجراءاتكم مع الجهات الحكومية المتعلقة بتطوير أراضيكم.
- العوائق الطبيعية (مثل طبيعة الأرض الجيولوجية، أو البيئية) أو الإجرائية (تعدد الموافقات، طول المدد الزمنية للجهات الحكومية)، تعد من الأسباب التي تنظر اليها المحكمة للإعفاء من الرسوم.
- لا تترددوا في استشارة مكتب محاماة متخصص قبل وبعد مواجهتكم لأي قرار بفرض رسوم الأراضي البيضاء، خاصة إذا كنتم ترون أن هناك عوائق حقيقية خارجة عن إرادتكم في ظل تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة وصدور لائحة جديدة.
المصدر :-
السوابق القضائية لديوان المظالم ، قضية رقم 2831 لعام 1440 هجرياً.


